لقد أنعم الله عز وجل علينا أن رزقنا هذا الكم الهائل من وسائل التقنية والاتصال الحديثة، التي قربت البعيد، ويسرت كل عسير، وسهلت نقل المعلومات، وتبادل المعارف والثقافات، كل ذلك يستوجب منا حمد الله تعالى وشكره على هذه النعم، من خلال حُسن استغلالها فيما يفيد، والتوظيف الإيجابي لها في نشر العلم وترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية، والتعريف بديننا الحنيف وتعاليمه السمحة.
حول منافع ومضار التقنيات الحديثة في حياة أبنائنا تحدث فضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز الشمالي، الداعية والموجه الأسري، مؤكدا أن التقنيات الحديثة هي سلاح ذو حدين، إما أنها تستخدم في النفع والخير، وإما أن تستخدم في الضرر والشر، فلا شك أن تقنيات الاتصال ستبقى حاضرة في حياة الأجيال الجديدة إلى أن يشاء الله، لذا علينا أن نعي جيدا جوانبها الإيجابية والسلبية، ونحدد أولوياتنا وفق شرع الله ومراده.
وفي هذا الصدد فإن أي حديث عن علاقة جيل الأبناء بالتقنية يكون من خلال محورين:
المحور الأول: إيجابيات وسلبيات وسائل التقنية الحديثة.
والمحور الثاني: سبل الاستفادة من التقنيات الحديثة والحفاظ على أبنائنا من مخاطرها.
بالنسبة لإيجابيات التقنية؛ فقد أضحى بفضلها الوصول إلى العلوم والمعارف سهلا ميسرا، بضغطة زر يمكن لأي منا أن يصل للمعلومة، ويتابع أحدث التطورات، ويتبادل الأفكار والرؤى مع الآخرين، ويطلع على ثقافاتهم وتجاربهم، لقد ساعدت وسائل التقنية على إثراء العقل وزيادة الرصيد المعرفي لعامة الناس، والانفتاح على العالم الخارجي، حتى صار بإمكان البعض الدراسة والتواصل مع أهل العلم والاختصاص في أرجاء الدنيا دون أن يغادر مكانه.
من إيجابياتها أيضا وجود بعض المنصات والمواقع المفيدة التي تُعنى بتنمية المهارات والقدرات الذهنية، وزيادة مستوى الذكاء لدى الأطفال، ورفع قدرتهم على التحصيل وتعلم اللغات والمهارات ذات الصلة بالعلوم التقنية المعقدة.
أما عن سلبيات التقنية، فقد أتاحت لأبنائنا الاطلاع على معارف وثقافات مغايرة تخالف ديننا، وسهلت دخولهم إلى مواقع قد تحوي صور من الانحرافات العقدية أو السلوكية، علاوة على أن انشغال كثير من الأبناء والبنات اليوم بمنصات الألعاب أو بمواقع التواصل قد زاد عن الحد، حتى أصبح مضيعة للوقت، وربما تسبّب ذلك في حالة من تشتت الذهن لدى بعض الأطفال، وعدم التركيز، وصعوبة في متابعة التحصيل الدراسي، وضعف الأداء، لاسيما في أوقات الاختبارات المدرسية.
أيضا هناك دراسات خلُصت إلى أنه ثمة علاقة ما بين الارتباط الشديد بالانترنت وحالات الانعزال والانطوائية لدى بعض المراهقين، وعزوفهم عن التواصل مع الأهل، وتجنبهم للقاءات العائلية والمناسبات الاجتماعية.
ذات الدراسات أيضا ربطت بين التعلق بالألعاب الإلكترونية وبين بعض التغييرات السلوكية التي تطرأ على الأطفال والمراهقين، مثل العصبية والتوتر الزائد، والميل إلى العنف والعدوانية.
وحتى لا تطغى سلبيات التقنية على إيجابياتها علينا أن نلقي مزيدا من الضوء على كيفية أن يستفيد أبناؤنا من وسائل التقنية الحديثة الاستفادة المثلى.
ينبغي علينا أولا توعية ابناءنا، وفتح حوار صادق معهم حول الجوانب الإيجابية والسلبية، وبيان النافع والضار، وأن نخصص وقتا لمشاركة الأبناء في اهتماماتهم، إذ لا ينبغي أن نترك الأمر دون رقابة، ودون ضوابط تُحدد لهم الأوقات المتاحة للدخول على المواقع، حتى لا يطغى وقت الترفيه على أوقات العبادة، والدراسة، والرياضة، وما إلى ذلك، وحتى يعتاد الأبناء على تنظيم أوقاتهم، وتحقيق التوازن بين كافة الأنشطة والمسؤوليات.
ينبغي كذلك أن يكون الآباء قدوة أمام أبنائهم، فلا يصح أن يأمر الأب ابنه بالتقليل من ساعات التواجد على الانترنت، وهو نفسه يفرط في استخدام تلك الوسائل ويضيع بها الجزء الأكبر من وقته.
نقطة أخرى في غاية الأهمية؛ هي أن نعلم أبناءنا مراقبة الله عز وجل، وأن نزرع في نفوس أولادنا وبناتنا شيئا من الرقابة الذاتية، تجعلهم يخافون الله، حتى لا ينجرفوا وراء مغريات مواقع الانترنت، وأضمن وسيلة في ذلك هو القرآن؛ كلما كان الأبناء مرتبطين بالقرآن كلما كان القرآن حافظا لهم من الفتن والمنكرات.
ينبغي علينا كذلك أن نعلم أبناءنا الحذر والحيطة، وعدم الافصاح عن معلومات شخصية عبر الفضاء الالكتروني قد تجلب عليهم المشاكل وتعرض سلامتهم للخطر، وعلينا أن نوجههم نحو المواقع والتطبيقات المفيدة التي تخدم ديننا ووطننا وأمتنا.